• اخر الاخبار

    قراءة مُحينة في كتاب إختلال العالم لأمين معلوف

    غلاف كتاب إختلال العالم
    عالمنا ليس بخير، هذا ما أراد أمين معلوف قولهُ سنة 2009، في كتابه 'إختلال العالم'. منذ الصفحات الأولى لمطالعتي هذا الكتاب و أنا أتساءل، ترى ماذا يقول معلوف اليوم؟، خصوصًا في ظل ما شهدهُ عالمنا في السنوات الأخيرة. 

    أنا كذلك كمعلوف، و رغم كل التحفظات مؤمن بالمغامرة البشرية، و أحسب أني كذلك أختار الجنس البشري، على كل الأجناس، حتى لو كانت خالدة، لكن الشعور بأن عالمنا يعيش نهاية عصر ما، و يدخل نفقًا ضيقًا لا يكادُ يفارقني.

     ربما سيؤدي هذا النفق إلى عصر أفضل من هذا العصر، و ستتمكن البشرية بطريقة ما من إيجاد حل لمشاكلها الحالية، لكن القرن الماضي علمنا، أن أثمان الحلول أصبحت باهظة جدًا، فما كانت تستهلكهُ الحروب و الأوبئة من أرواح بشرية على امتداد عشرات السنوات، أصبحت قنبلة واحدة، أو غاز قاتل يمكن أن يستهلكهُ في دقائق، إن لم نقل ثواني. 

    أشعرُ بأن العاصفة أو الكارثة التي أنذر بها معلوف، و هو يحاولُ أن يُرجح كفة التفاؤل، أقرب و أعنف مما كنا نتصور. كلنا نحاولُ أن نحيا حياةً طبيعية، رغم كل الأخطار و النذر، فقُدرة الإنسان هائلة على التكيف مع الوقائع الجديدة، لكني أرى في هذه السنوات رائحة ثلاثينات القرن المُنصرم، التي أدت لما أدت.

     أشُم هذه الرائحة الكريهة في صعود الأحزاب اليمينية، في بعض البلدان الأوروبية، التي تعاني من الأزمة الاقتصادية، كاليونان التي تشهد صعود الأحزاب و المنظمات شديدة الفاشية، و المعادية للمهاجرين، مثال اليونان مُعبر جدًا، فالأزمات الاقتصادية و المالية، يمكن أن تطيح حتى بمهد الحضارة الغربية، ببلاد عرفت الديمقراطية، و أفكار العدل و الحرية قبل آلاف السنوات. 

    لا توجد أي دولة مُحصنة من الهزات إذا تعلق الأمر بأرزاق الشعوب، و خبزها، لا أفهم كيف لا يدرك الساسة، و أصحاب الشركات العابرة للقارات هذه المعادلة، أم أن النظام المالي العالمي قد خرج عن السيطرة؟

     لا أملكُ الجواب، لكني أقول بأن ما يحدث أمر شديد الجنون، أشاهد يوميًا على شاشة التلفاز هنا في إسبانيا، عائلات بين ليلة و ضحاها أصبحت لا تملك شيئًا و مجبرة في مشهد شديد الدرامية، على مغادرة منزلها، لأنها لم تتمكن من دفع بقية الأقساط للبنك. و رجل ينتحر في اليونان أو البرتغال لأنهُ غير قادر على إيجاد ما يُعيل أبنائهُ. ربما يعتقد البعض أنها مبالغة، حتى يعلم بأن اليوم هناك عشرات آلاف الأشخاص يعيشون على ما يسمى بنوك الأغذية. أن الأسبان، البرتغاليين و اليونانيين، الإيطاليين، و مؤخرًا القبرصيين أصبحوا ينافسون المهاجرين على حساء ساخن من الكنيسة. 

    "ليست أزمة اقتصادية عابرة، إنها أزمة أخلاقية"، هذا ما قالهُ أحد أشهر مُقدمي البرامج الساخرة، على القناة الإسبانية السادسة. بطبيعة الحال لا يمكنني إلا أن أوافقهُ بكثير من المرارة، خصوصًا و أنا أرى رئيس أعظم دولة في العالم، غير قادر على مواجهة شركات الأسلحة، غير قادر على تمرير قانون ضعيف حول منع تجارة الأسلحة العسكرية (الرشاشات)، رغم كل المآسي التي عرفتها المدارس الأميريكية، و أخرها مأساة المدرسة الابتدائية بمدينة نيوتاون، و رغم آلاف الأشخاص الذين يقتلون سنويًا. 

    كذلك أتذكر الاضطرابات التي حدثت في لندن، صيف 2010، كل شيء يدل على أن الأزمة ليست عارضة، خصوصًا أمام إصرار النظام على التضحية بعشاء أخر يوناني، إيطالي، بنغلاداشي، فيتنامي، كونغولي، تونسي، مصري...، و ربما في القريب فرنسي و بريطاني، و حتى ألماني، فالفقر قد دخل ضمن قائمة مُنتجات العولمة، و النظام لا يرحم حتى أبنائه، كما لا يرحم الملوكُ أبنائهم و أخوتهم، للبقاء على عروشهم. 

     تهمُني البشرية التي أحسُ يومًا بعد يوم بأنني أنتمي إليها أكثر، و أوقنُ جيدًا معنى العالم القرية، كما أن الصفاء الذي أتمتع به في بعض الأحيان، يحملني على الإحساس حقيقةً و بالفعل بأنني مواطن العالم، لكن تهمُني بصفة مباشرة تلك الرقعة الجغرافية التي ولدت فيها، أين تسكن عائلتي و أصدقائي و أشياء أخرى، لا يمكنني الإحساس بها إلا هناك. 

    قبل سنتين كنت أشعر بأن ذلك المكان، بعد أن كان مُجرد سجن كبير، قد تحول إلى مرج فسيح، ذو هواء و رائحة منعشة، أما اليوم فإني أراهُ يغرق يومًا بعد يوم ككل العالم العربي في تلك البئر التاريخية العميقة التي تحدث عنها معلوف، و بأن رائحة عفن الأقوال القديمة، تُخيم على كل المكان، أُفكر في المدى القريب أو المتوسط، و أذهبُ بعيدًا في أفكاري، حد السذاجة، أتساءل في أحيان عديدة: ما ذنب الأجيال القادمة؟ و كيف ستكون خارج التاريخ و هي التي ولدت في مطلع قرن جديد، واعد بالتقدم و الحداثة؟ أليس من حقها أن تعيش مغامرات الأجيال السابقة، التي أطلقت اليوم لحيتها؟ أن تغامر بمعرفة السيجارة الأولى و قارورة الخمر الأولى و القبلة الأولى، أليس من حقها أن تكون آثمة؟

     يُقلقني كثيرًا أن أرى وطني يغرق في بحر من الرمال، هي نتيجة فشل كل الأجيال السابقة. أنا غاضب على من يصنعون كابوس "أفغنة" البلاد و "طلبنتها"، لكنني غاضبٌ أكثر على من منح هؤلاء الفرصة، و تجربة التحديث الضائعة، لماذا لم يجمع بورقيبة بين الحداثة الاجتماعية و السياسية؟

     لكنني أدركُ، أو أعتقد أنني أدرك معنى قسوة التاريخ و حُدود الجغرافيا، أدركُ بأننا نعيش في مُحيط عاجز و مُنهزم، يعاني كل العاهات و العقد، التي يمكن أن تجتمع في رجولةٍ مخصية، و كتيبةٍ تجرُ قرونًا من الهزائم العسكرية و الحضارية. لا أقول هذه الكلمات ضمن أدب جلد الذات و إنما في إطار إحساس مُتزايد بتعقد أزمة هذه الحضارة التي أحببت أو كرهتُ أنتمي إليها. 

    مؤخرًا قمتُ بسؤال صديقي المكسيكي، عن تصوره للعرب –مُلحًا عليه أن تكون الإجابة صريحة- فأجاب: "نراكم إرهابيين، و أشخاص ذوي لحية كثيفة، في حالة غضب دائمة"، بطبيعة الحال الإجابة ليست صادمة، و ليست من صنع أحد، أو "إعلام العار العالمي"، مهما تحدثنا و حللنا دور الماكينات الإعلامية العالمية، و بالتحديد الهوليودية، فلكي نكتشف صورتنا الحقيقية، علينا أن نجيب عن سؤال: متى يتحدث عنا العالم؟

     الإجابة ليست ضمن الحديث عن رواد الفضاء و المُكتشفات العلمية، و إنما إما للحديث عن تفجير جديد في أحد أسواق بغداد، أو سوريا، أو للحديث عن مجموعة من الغاضبين على فيلم أو على رسم، مهما كان نكرةً مُخرجهُ أو راسمهُ، دون أن ننسى تلك الطائرات و هي تنصهر في برُجي التجارة العالمية، و قطارات مدريد و لندن...

     لا أريدُ أن أذهب بعيدًا في هذا الكلام القلق و الغاضب ، و سأكتفي بالإحالة على تحليلات أمين معلوف، التي أظن أنهُ أدرك جيدًا، اختلال عالمنا و جنونه، و خصوصًا أزمة العرب و المسلمين، و ربما يكون الآن بصدد تدوين الجزء الثاني من كتابه، بقلم مُرتعش، و هو يُفكر كما فكرتُ أنا كثيرًا، كيف يمكنني أن أنهي هذا الكلام بروح مُتفائلة؟ 

    الكيخوتي 27 مارس 2013
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    2 comments:

    1. J'ai beaucoup apprécié tes réflexions à propos de l'ouvrage d'Amine Maalouf "Le Dérèglement du monde", que je partage volontiers, quoique qu'il me parais important de souligner hélas, que l'intransigeance et les idées reçues ne sont guère l’apanage des arabes et des musulmans.

      RépondreSupprimer
      Réponses
      1. شكرًا سي لطفي يسعدني دائمًا مرورك. بطبيعة الحال أوافقُ نظريًا على ما ذهبت إليه...

        Supprimer

    Item Reviewed: قراءة مُحينة في كتاب إختلال العالم لأمين معلوف Rating: 5 Reviewed By: @HosQuijote_الكيخوتي
    إلى الأعلى