• اخر الاخبار

    مــــطالب مشروعة أم خـــيانة للـــثورة؟



    عندما خرجنا في مُظاهرة 14 جانفي 2011، و صرخنا "خبز و ماء و بن علي لا"، على الأقل كنت أنا كما كان العديد من الذين أعرفهم مُؤمنين جدًا بهذا الشعار، و عندما اضطررنا في اليوم الموالي لأكل خُبز غير طازج كان ذلك ألذ خبز أكلتهُ في حياتي، كُنت أقول أني مُستعد للعيش كامل السنة على الكسكسي و البرغل و المحمص، المُهم بن علي هرب، بن علي هرب...

    كُنت أؤمن بأن غالبية الشعب التونسي مثلي، فقد رأيتُ في وجوه الناس الحاضرة في 14 جانفي أمام مقر وزارة الداخلية، أصرارًا و طوقًا كبيرًا للحرية، أصرار ظننتُ أنهُ تغلغل في وجداننا، و لن يستطيع أن ينتزعهُ منا أحد، لكن للأسف يبدو أن ذاكرتنا الثورية ضعيفة جدًا، فهل الشعب الذي ثار من أجل الكرامة و الحرية هو نفس الشعب المُتسول على أعتاب الوزارات و المُعتمديات؟ هل الشعب الذي أضرب من أجل العدالة، المساواة والحرية، و كُل القيم الإنسانية النبيلة، هو نفسهُ الذي يعتصم من أجل أهداف أنانية كالزيادة في الشهرية و الترسيم؟

    صحيح أن الحق في العمل و الترسيم و غيرها من المطالب هي مطالب إجتماعية مشروعة، لكن أظن أنها مُفتقدة للشرعية في هذا الوقت بالذات، بل أصبحت نوع من الإنتهازية القبيحة جدًا،فكأن الجميع يستغل الظرف لإنتزاع أكبر فوائد على حساب الأخرين، في مشهد لا يختلفُ كثيرًا عن صراع مجموعة من الحيوانات المفُترسة على فريسة مُتخنة بالجراح

    يأسفني أن أقول أن هذه الفريسة التي تُتخنونها الأن بالجراح هي تونس، ليست الحكومة المُترنحة التي لن يُضيرنا شيئًا سقوطها، بل إني أعتبرها من أهم العوامل التي ساهمت في وصولنا لهذا الوضع، فتحسين وضعية المواطنين لا يكون بتحسين وضع قطاع على حساب الأخر، لا يكون بزيادة البوليس 120 دينار في الشهرية، و لا بترسيم عمال بلدية تونس الذين عادوا للأضراب في الأيام الماضية رغم تلبية مطالبهم...في الحقيقة لا أعلم هل هذه حكومة بلهاء أم تسطنعُ الغباء،فإذا كانت حريصة جدًا على المواطن لماذا لم تُخفض في سعر المواد الأساسية بصفة ملموسة؟أليس أتخاذ هذا القرار سيكونُ عادلاً و يشمل كافة المواطنين مما يلجم جميع الأفواه؟ لماذا لم يخاطب رئيس الحكومة المواطنين بصفة جدية و صريحة ليخبرهم أن هذه الحكومة مُجرد حكومة وقتية، و قرراتُها لا تتعلق إلا بالفترة الزمنية التي شُكلت من أجلها؟ لماذا لا يخبر المواطنين أن هذه الحكومة تفتقد شرعية إتخاذ قرارات على مدى الطويل؟

    كُنتُ أحلمُ بعد الثورة بشعبٍ أكثر وعيًا، بشعبٍ أكثر تضامنًا، كنتُ أظن أن العمال و الموظفين سيتبرعون بأيام عمل، وسيعملون ساعات إضافية لمُساعدة البلاد على النهوض، فقابلةُ البارحة إعتصامات و مُظاهرات في كل مكان و كل زمان، ونفايات مُكدسة، و أشخاصٍ ظننتُ أنهم أكثرُ وعيًا بما يحصل فما كان منهم إلا أن أغلقوا الطريق أمام وزارة التربية، في ماذا كانوا يفكرون؟ و هل يستحقون شهائدهم العالية؟ التي يعلم الله كما يعلم كلُ طالبٍ كيفية سيرورة الإمتحانات و خفاياها، حاولتُ أن أفهم غاياتهم و غايات الأخرين، فكان الجوابُ بإختصار و غباء شديد "أنا و ليحترق الأخرون"

    هل يجبُ أن يحمل الشخص جينات ذكاء خارقة ليفهم أن كلنا كتونسيين في نفس المركب، أن غرق هذا المركب لن يشمل فقط قبطانهُ و بحارتهُ بل سيشملنا جميعًا؟

    لكل مُعتصم، لكل مُتظاهر لأسباب أنانية و حتى لو كانت مشروعة، فكر قبل أن تعتصم أولاً في كل الشهداء الذين ماتوا من أجلنا، فكر في الجرحى الذين مازالوا على فراش المرض، فكر في عائلات هؤلاء، فكر في المساجين الذين عُذبوا و ضحوا بشبابهم من أجل أن تبقى شرارة الثورة مُتقدة في قلوبنا، فكر في الكادحين في المناطق الداخلية الذين لا تتوفر لديهم أبسط مرافق العيش، و أنظر ماذا قدمت أنت لهذا الوطن؟ و هل حاجياتك أهم من حاجيات هؤلاء؟ تذكر أن المواطنة ليست فقط حقوق بل كذلك واجبات؟

    2011/02/10
    الكيخوتي
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    Enregistrer un commentaire

    Item Reviewed: مــــطالب مشروعة أم خـــيانة للـــثورة؟ Rating: 5 Reviewed By: @HosQuijote_الكيخوتي
    إلى الأعلى