• اخر الاخبار

    رواية أمين معلوف "سمرقند" و حُلم الحرية

    غلاف رواية سمرقند
    البارحة في ساعة مُتأخرة من الليل أنهيت مُطالعة رواية أمين معلوف "سمرقند". بالإضافة إلى لذة مُطالعة روايات أمين معلوف، التي لا يضاهيها بالنسبة لي أي لذة، فإن شعور الأسى كان يرافقني طيلة رحلتي بين صفحات هذه الرواية، وقد أزداد مع النهاية الحزينة و المعبرة التي أختارها معلوف لروايته، فكأن الشرق قد أضاع كُل مراكمات الماضي، بغرق مخطوط الخيام، رفقة التيتانيك في أعماق المحيط الأطلسي، كما ضاع الأمل في الحاضر، بضياع الحبيبة الفارسية شيرين.

     بدأت الرواية بالخيام في أسواق سمرقند يُحاولُ إنقاذ أحد الشيوخ الذين تتلمذوا على يد أبن سينا، فإذا به مطروحًا هو كذلك يأخذُ نصيبهُ من جُهلاء، لا ينقطع حضورهم عن أي عصر، مُكررين نفس الاتهامات، لكل نفس حرة، بالكفر، الزندقة و أخواتها.

     رُبما كان حظ الخيام -و رغم أنهُ عاش طريدًا، غير مُرحب به، في عواصم مهما اختلفت و تخاصمت فإنها تشترك، في رغبتها في أن لا يُحرك مياهها الراكدة أي أحد- أوفر من مصير، بقية الأرواح المُتمردة على صمت القبور، و ضجيج غوغاء التقليد، و أحلام السلف، فقد توفي في نيسابور وسط أفراد عائلته، فلم يعش محنة أبن المُقفع، الذي قتل بأبشع الطُرق من قبل سفيان بن معاوية والي البصرة بأمر من الخليفة العباسي المنصور، أو جمال الدين الأفغاني أحد رواد النهضة في القرن التاسع عشر، الذي عاش يحلم بتوجيه نور الحرية المتوهج غربًا، نحو الشرق الغارق في الظلمات و التبعية، فإذا به يُقتلُ طريدًا وحيدًا على يد خليفة المُسلمين الأخير. 

    الخيام، أبن المقفع، الأفغاني و أجيال عديدة من الحالمين منذ قرون بحُرية الإنسان، في عالم يُكدرهُ كثيرًا، الأشخاص الذين يحبون جمال هذه الحياة، و يخرجون عن نظام التقاليد، أو يُفكرون أبعد من حدود "القياس" و "الاستشهاد"، و في أن الآخر قبل أن يكون يهوديًا أو مسيحيًا هو من بني آدم. 

    الأسى الذي أحملهُ ليس من هذا الصراع، الذي أرى أنهُ طبيعي، بين قوى الجذب إلى الوراء، و القوى التقدمية، وإنما في أنهُ كلما لاحت بشائر صباح الحرية، إلا و أستجمع "صاحب الندبة" غوغائييه، تباركُ أعمالهُ فتاوى الشيوخ، ليكتم من جديد صوت الأحلام، فلا كأن الخيام قد كان و لا الأفغاني، و لا الثورة الدستورية الفارسية، و إيرانُ اليوم غارقةٌ في نظام الملالي، كما لازال الشرقُ و مغربهُ غارقين، فلا أشعار الخيام خرجت من دائرة المغضوب عنها، و المعري قُطع رأسُ تمثاله في معرة النعمان السورية، أين تُخاضُ الآن معركة الجهل ضد الاستبداد.

     أما معركة الحرية فترقدُ ربما في مخطوط الخيام، الذي قد ينتشلهُ مُخلصٌ آخر و يجعلهُ كتابه المُقدس، في يوم من الأيام سيستعيد الإيرانيون أحلامهم المنهوبة، و سيعودُ لدمشق جمالها المسلوب، و سيكون للمعري تمثال في كُل مدينة، و سيختفي صاحب الندبة و شيوخهُ إلى الأبد، و في تونس سينتصر الذكاء على الجهل، و تُنشدُ في مصر أم كلثوم:

    سمعتُ صوتاً هاتفاً في السّحَر
     نادى مِن الحانِ : غُفاة البشَر 
    هبُّوا املأوا كأس الطلى قبَل أن
     تَفعم كأس العمرْ كفّ القدَر.
    الكيخوتي 27 فيفري 2013
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    3 comments:

    1. Bonjour toi, un rayon de soleil qui donne foutrement envie de vivre et de continuer la marche vers les lumières du jour.

      RépondreSupprimer
    2. شكرًا سي لطفي. سيبقى دائمًا يقودنا الأمل، و جذوة الفكر الحر، في قصيدة، في رواية أو في رقصة... إلى "حدائق النور"

      RépondreSupprimer

    Item Reviewed: رواية أمين معلوف "سمرقند" و حُلم الحرية Rating: 5 Reviewed By: @HosQuijote_الكيخوتي
    إلى الأعلى