• اخر الاخبار

    الـــــــــــــــــدولــــــــــة

    مع أن أحدًا لم ير الدولة، فمن يستطيع مع ذلك أن ينكر كونها حقيقة؟ إن المكان الذي تحتلهُ في حياتنا اليومية مهم إلى درجة أنها إذا أُزيلت منه، تعرضت إمكاناتنا للعيش إلى التدهور فورًا، إننا نستعير لها كافة الميول الإنسانية: فهي كريمة أو بخيلة، ذكية أو بلهاء، متوحشة أو حليمة، رصينة أو متهورة. و لأننا نعتبرها ذاتًا انطلاقًا من هذه العوامل الخاصة بالإنسان و المرتبطة بالذكاء أو بالعاطفة، فإننا نمحضها الأحاسيس التي يوحيها إلينا عادة البشر: الثقة أو الخشية، الإعجاب أو الاحتقار، و الضغينة غالبًا، و كذلك أحيانًا الاحترام الورع حيث تختلط العبادة الغابرة و اللاواعية للسلطة بحاجتنا للاعتقاد بأن مصيرنا مهما يكن غامضًا ليس متروكًا للصدفة. و كما أن تاريخ الدولة يختصر ماضينا فإن وجودها في الحاضر يبدو لنا و كأنهُ يستكشف مُستقبلنا. و قد يحصل أن نلعن هذه الدولة و لكننا نشعر أننا مُرتبطون بها في السراء أو الضراء

    إن الدولة ليست إقليمًا أو شعبًا و لا مجموعة من القواعد المُلزمة. كل هذه العوامل ليست بالتأكيد غريبة عنها و لكنها تضعها فوق المعرفة المُباشرة فوجودها لا يتعلق بالظاهرية الملموسة، إنهُ شأن ذهني. فالدولة بالمعنى الكامل للكلمة هي فكرة. و بما أنها ليس لها غير حقيقة إدراكية فهي ليست موجودة إلا لأنها تدرك بالفكر

     إن أي تحليل صادق لفكرة الدولة يأتي بجواب بقدر ما هو بسيط بقدر ما هو مثقل بالنتائج: لقد أخترع الناس الدولة لكي لا يطيعوا الناس. جعلوا منها المركز و السند للقدرة التي يشعرون دائمًا بضرورتها و بوزنها و لكن ما أن تنسب هذه القدرة إلى الدولة حتى تسمح لهم بالخضوع إلى ولاية لا تُرد دون أن يشعروا مع ذلك أنهم مُرتهنون لإرادات بشرية. فالدولة هي شكل للسلطة تجعل الطاعة أكثر نبلاً. إن سبب وجودها الأول هو أن تقدم للفكر تمثيلاً لأسس السلطة التي تجيز إقامة التمييز بين الحكام و المحكومين على أساس لا يستند إلى علاقات القوة

     مع ذلك ليست الدولة سوى هذا التمويه لقوة الفرقاء. إن لها سبب وجود لا يمكن نزعهُ عنها دون الإساءة إلى المُجتمع. إنها ضابطة الصراع و في الوقت نفسه رهانهُ. و عبر هذا المكان الذي تحتلهُ في الدينامية السياسية سنعمل على إحياء أهميتها غير المُعترف بها إلى حد خطير عندما لا نرى فيها إلا الدولة المنحازة أو دولة الأحزاب

    بالطبع، إن الدولة مدينة بالكثير للأحزاب و لكنها باعتبارها مهيأة أصلاً للتحكم في صراعاتهم لا يمكن لسلطتها أن تبنى فقط على القوة التي يمحضونها إياها. و لهذا السبب بالذات سعى دائمًا المنظرون كما رجال السياسة لتأسيس سلطة الدولة على سند ذاتي مُستقل. و بما أن هذا السند لا يمكن أن يكون إلا المُجتمع بكل فئاته، ندرك أن المُهمة ليست سهلة كونها تهدف إلى صنع واحد من مُتعدد، و إقامة سلطة واحدة من خلال مُتطلبات جماعة متنوعة

    مُقتطفات من كتاب الدولة لجورج بوردو
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    Enregistrer un commentaire

    Item Reviewed: الـــــــــــــــــدولــــــــــة Rating: 5 Reviewed By: @HosQuijote_الكيخوتي
    إلى الأعلى