• اخر الاخبار

    ثورة أو انقلاب أم ماذا؟



    في 17 ديسمبر 2010، أحرق محمد البوعزيزي نفسهُ، ومن هناك بدأت أحداث مُتتالية ومُتصاعدة في تونس وفي العديد من المناطق العربية. بعض المُتحمسين يسمون ما وقع ثورة، فتسمى في تونس ثورة الياسمين، أو ثورة الكرامة، وفي مصر ثورة 25 يناير، قبل أن تصبح مؤخرًا ثورة 25 يناير و30 يونيو، وفي ليبيا ثورة 17 فبراير...

    البعض الآخر يذهب إلى أن كل ما وقع ليس إلا مُجرد انقلابات بدعم وتخطيط من العديد من الجهات المُخابراتية الأجنبية، في إطار مشاريعها للمنطقة العربية، وتحديدًا ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير.


    المشكل في هاتين المقاربتين للأحداث أنهما تقومان على قراءة حينية، وغير مُتجذرة في الإطار التاريخي، بمعنى هل ما وقع من أحداث جديد على المنطقة؟ هل هي أول مرة يخرج فيها عامة الناس عن السلطة الحاكمة؟


    في حالة تونس التي ندعي بأننا نعرفها جيدًا، الإجابة ستكون قطعًا: لا، فالبلاد شهدت على الأقل في تاريخها الحديث والمُعاصر ثورتين: "ثورة علي بن غذاهم" سنة 1864، و"ثورة الخبز" سنة 1984، والسؤال سيطرح هنا من جديد: هل يمكن أن نصف هذه الأحداث "بالثورة"؟


    قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال، ومن خلال على الأقل "ثورة علي بن غذاهم"، يمكن أن نؤكد بأن التحركات الاحتجاجية ليست وليدة بالضرورة تدابير الاستخبارات الأجنبية، - بيد أن هذا لا ينفي دور هذه الأخيرة في أحيان عديدة- بمعنى أن ما وقع في تونس ليس كما يذهب البعض من أصحاب النظام القديم، والمُصابون بخيبة الأمل من نتائج الأحداث، مُجرد انقلاب.


    لنعُد الآن إلى سؤالنا المُعلق: هل يمكن توصيف ما حصل بالثورة؟ كما أرى ما وقع بين شهري ديسمبر 2010 و جانفي 2011، لا يختلف عن ثورة علي بن غذاهم وثورة الخبز إلا في عنصر وحيد، هو التحول في رأس الدولة.


    الثورة Révolution هي كلمة ذات أصل لاتيني، استعملت أول مرة في الحقل السياسي في انقلترا سنة 1660، خلال الإصلاحات الملكية الأنجليزية، ووقع إشباعها بدلالاتها المُعاصرة عبر تياري مُفكري الثورة الفرنسية والفكر الماركسي وهي تعني عمومًا "الخروج عن الوضع الراهن وتغييره".


    من هنا يظهر أن مفهوم الثورة ليس مُتجذرًا في الثقافة التاريخية السياسية التونسية والعربية عمومًا، بل هو مفهوم معاصر وقع استعمالهُ لتوصيف بعض الأحداث التاريخية. من جهة أخرى ينشأ من تعريف "الثورة" جدل مُعقد: هل كل خروج عن الوضع الراهن ثورة؟ هل كل تغيير حتى لو كان إلى الأسوء ثورة؟ هل الثورة هي تحول في المستوى السياسي فقط؟


    في الحقيقة من العسير جدًا هنا الإجابة عن هذه التساؤلات، بيد أن ما نُريد قولهُ ومن منظور مقارن بالثورة الفرنسية خصوصًا وثورات الربيع الأوروبي عمومًا، كثورات نحو الأفضل، ثورات شاملة في جميع الميادين السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية...، ما وقع في تونس والعالم العربي ليس بثورة.


    ما وقع في تونس ليس انقلاب ولا ثورة، بل أزمة في مستوى انتقال السلطة، بمعنى نظام سياسي فاقد لآلية التداول السلمي على السلطة، يعيش في طور السقوط، مع أزمة اجتماعية واقتصادية حادة، وربما تدخلات خارجية، كلها ظروف أدت إلى ما وقع ما بين 17 ديسمبر و 14 جانفي من أحداث اختلطت فيها الاحتجاجات الاجتماعية والمطالب السياسية بعمليات السرقة والنهب، وهذه الأحداث ليست غريبة عن التاريخ السياسي التونسي بل نجدها في كتابات إخباريي الفترة الحديثة حيث يسميها الإخباريون "بالهيعة". 


    العودة إلى الكتابة هي كالعودة إلى الوطن
    الكيخوتي 13 جانفي 2014
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    Enregistrer un commentaire

    Item Reviewed: ثورة أو انقلاب أم ماذا؟ Rating: 5 Reviewed By: @HosQuijote_الكيخوتي
    إلى الأعلى